الخميس، 3 ديسمبر 2015

متى تصل أمينة للباب المفتوح؟

*نشر في مجلة حكايتنا -الله يرحمها-.

الحرية هي القدرة علي فرد جناحيك متي شئت.
تم التعامل مع الحرية كموضوع خصب في السنيما و الادب العربي، فظهرت العديد من الروايات و الافلام التي تتحدث عن الحرية و تحاول تقنينها ووضع مفاهيم محددة لها، فهل نجح اياً منها في التحدث عن حرية المرأة !
الباب المفتوح و انا حرة فيلمين و روايتين يناقشوا حرية المرأة و حدودها و نظرة المجتمع لها..
و تنتمي كلتا الروايتين إلى المدرسة الواقعية في الأدب الحديث.
لن نتطرق بالطبع للفروق بين الاسلوبين أو الصور المستخدمة أو أياً ما كان يتطرق له متخصصي الأدب المقارن، لكن يكفينا أن نقارن بين نهاية البطلتين، فهما فتاتان تتفق غاياتهما وان اختلفت شخصياتهما، فكلتاهما تبحثان عن الباب المفتوح.
في انا حرة جعل احسان عبدالقدوس البطلة تمر بكل مفاهيم الحرية الخاطئة و تمادت حتي وصلت لمرحلة التسيب المشروط، و ظنها في ان الحرية في التعليم ثم في العمل حتي أصبحت عبدة للحرية، ثم وجد ان التحرر في الحب .. سواء حب الوطن او حب الشخص، لكن يبدو ان شرقيته “نقحت” عليه لان بمجرد ظهور عباس أصبحت أمينة مجرد عروس ماريونت خائبة .. ووضح الفيلم نقد فكرة حرية البطلة كلها في المشهد العظيم حين انحنت أمينة تحت قدمي عباس لتلبسه حذاءه فأصبحت في لحظة عُملة مشابهة لعمتها الضعيفة الجاهلة و ضاع في لحظة كل التعليم الذي اصرت ان تتعلمه و التشدق بالبحث عن الحرية، و أصبحت نسخة مُعدلة من أمينة سي السيد.
أمينة هي تائهة في بحر المُطْلقات، فهي إما متمردة جداً تضع رغبتها في الحرية أولاً او عاشقة جداً تنغمس في بحر الهوي و تري ان فيه حريتها، غير مدركة للسحب القوي الذي جردها من آخر ذرة تمرد كانت تنتزع به حريتها.
كتب حوار الفيلم نجيب محفوظ و اخرجه صلاح ابو سيف و تألقت به لبني عبدالعزيز..
لكن، هل وصلت الحرة حقاً للباب المفتوح؟
“كانت رواية الباب المفتوح علامة فارقة في كتابة المرأة العربية، لا لتماسك بنائها و حيوية شخصياتها فحسب، بل لان الكاتبة أخرجت المرأة من الهامش الاجتماعي الذي زُجّت فيه في الحياة والكتابة معا، ودفعت بها وبحكايتها الى مركز الحدث التاريخي”
رضوي عاشور-
في الباب المفتوح جعلت لطيفة الزيات “ليلي” فتاة عادية .. ضعيفة لكن تقاوم، لم نجد بها العناد الذي رصدناه في أمينة بطلة احسان عبدالقدوس و إن كانت بداخلها ذات صوت قوي و متسقة الي حد ما مع نفسها ..
لم يظهر تمرد ليلي الا في موقفين و أوضحت النتائج المنطقية التي ترتبت عليهما -حين خرجت في المظاهرات و عادت ليقابلها “شبشب” والدها و حين قررت اخيرا السفر لبورسعيد-
ليلي نموذج لأغلب بنات عصرها -وللاسف عصرنا- لا تعلم ما محلها من الاعراب أهي حرة أم ﻻ، كانت مؤمنة بذاتها و متمردة و ان كان علي استحياء، كانت ترفض عادات اهلها و تُعمل عقلها، حتي عشقت و اصطدمت و دخلت في حالة من اللاوعي و “انطفت اللمعة اللي في عنيها” فجاء حسين، حاول ان يعيد اللمعة الضائعة منها و يعيد ليلي للحياة، وقع في حبها من النظرة الاولي لكن حبه إختلف عن حب التملك الذي اراده عصام -ابن خالتها- ، حبها و لكنه لم يردها أن تفني كيانها في كيانه ..
في طريق البطلة للباب المفتوح تصطدم بحالات أخري تبحث عن بابها المفتوح، كجميلة إبنه خالتها التي ظنت ان الخلاص في الزواج من رجل غني فضربها الواقع فرمت نفسها في أحضان عشيق بعد أن رفضها الموت، و أصدقاءها التي وضحت بهم انواع اخري من البنات و الافكار و المصائر، دائماً تتأثر بهم لكن تأثيرها فيهم شبه معدوم، و تظهر أيضاً علاقتها مع الرجال من أب و أخ و نزوة و حبيب و خطيب و أفكارهم و تناقضهم و مفهوم كلاًً منهم عن الحب.
في النهاية و بعد رحلة نفسية طويلة تنتهى الرواية بالباب المفتوح وقد تحررت البطلة من سجن الذات، تجد ليلي الحب في نفسها ثم تعود لتحب من حولها و بالتالي تحب الوطن و تحب حسين!
ان دققت النظر ستجد لطيفة الزيات داخل روايتها، فكما قال احدهم ان الكاتب دائماً يترك جزء منه في كل قصة له، حيث استلهمت صورة و تأثير أخوها الاصغر في شخصية الأخ، و ليلي نفسها في تمردها و تصميمها نجدها في مراحل من حياة لطيفة.
الباب المفتوح واقعي اكثر، وان كانت كلتا الروايتين تدوران في جو من الاحداث السياسية، انا حرة تدور في أخر فترات حكم الملك و تصل للذروة مع ثورة يوليو، و الباب المفتوح تدور في اوقات الحرب مع الانجليز و العدوان الثلاثي.
إكتفي احسان بجعل بطلته تساند حبيبها في الثورة، فتنحت من دور البطولة ليأخذ عباس الراية منها و تصبح هي مجرد دور ثانِ مساند له.
أما لطيفة فجعلت بطلتها تدب بخطي ثابتة أرض المعركة، لتحارب و تعرق و تحرر الأرض بيدها، كند و شريك لحسين و كل من حارب، فكانت معهم و ليس تبعهم.
بالنسبة لتطور الشخصيات، فأمينة توقف تطورها منذ قابلت عباس و اصبحت تدور في فلكه، علي عكس ليلي التي كانت تتطور ثم اصابتها البلادة فعاد حسين و “هزها” حتي فاقت و استكملت تطورها، في الواقع أمينة لم تصل للباب المفتوح، لكنها فضلت ان تغمض عينيها في حضن عباس علي أن تدخله.
استطاعت لطيفة الزيات ان تعبر و توصل و تتحدث عن حرية الفتاة و الحب و كل الاحداث التي عاصرتها بشكل أفضل من حرية أمينة المزعومة، لأن الحرية ليست في اجاد رجل أفني كياني و كرامتي فيه.
لكن المؤكد و المشترك بين الروايتين أن الحرية هي الحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق