الخميس، 3 ديسمبر 2015

يموت صانع البسمة مختنقاً بالدموع.


*نشر في مجلة حكايتنا/ مجرد فكرة -مش فاكرة.

رسم البسمة علي وجود العابسين هو أشرف و أصعب عمل يمكن للشخص القيام به، لكن كما يمكن أن يكون باب النجار مخلع و نظر دكتور العيون ضعيف، يمكن ان يكون الفكاهي تعيس في حياته، فأفضل فكاهة هي التي تخرج من رحم المعاناه.

عُجت وسائل التواصل بخبر وفاة روبن ويليامز و صدم البعض من اشتباههم بانتحاره شنقا لنفسه، فكيف للثري الوسيم الذي اضحك و أبكي الملايين طوال 50 عام ان ينهي حياته بالانتحار !
و يقول البعض انه كان يعاني من اكتئاب حاد تزامن مع محاولاته للاقلاع عن ادمانه للكحول و ضائقته المالية التي جعلته يشارك في المسلسل التليفزيوني دون المستوي "The Crazy Ones" والذي توقف بعد عرض موسم واحد فقط منه.

لكن أهذا سبب مقنع كفاية لتسوَد الدنيا في عيونه الزرقاء الصافية و تضيع معها روحه النقية و يقرر ان الاوان قد آن للرحيل عن هذا العالم !

في الواقع انا لا اجده كذلك، لكنه ليس الكوميدياني الاول الذي تنتهي حياته بمأساه.
فمن يخفي عنه قصة موت رياض القصابجي "الشاويش عطية" الذي اصابه شلل نصفي في الجانب الأيسر ولم يستطع أن يغادر الفراش ولم يستطع أيضا سداد مصروفات العلاج، و بعد فترة وتحديدا في 23 أبريل من عام 1963 لفظ القصابجي انفاسه الاخيره منتحراً -كما يشتبه البعض- بعد أن أكل الطعمية مع عائلته و استمع لصوت أم كلثوم، و المؤسف ان جثمانه ظل علي سريره ينتظر تكاليف جنازته ودفنه حتي تبرع بكل هذه التكاليف المنتج جمال الليثي !
و كذلك انتحار الكوميديان اللبناني الياس رزق بطل المسلسل اللبناني الكوميدي الاشهر في الثمانينات "الدنيا هيك" حيث أطلق الرصاص علي رأسه ليتخلص من الحياة و همومه المتراكمة فيها.

و بالطبع لا يخفي علي احد فاجعة انتحار الجميلة مارلين مونرو، و اذكر من رسالة انتحارها ما يلخص حال الكثيرين ممن اتقنوا تلبس الشخصيات حتي ضاعت شخصيتهم وسطها ..
تقول:
«لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقة تماما، بل إنني زيف مفتعل ومصنوع بمهارة وكل إنسان يحس في هذا العالم بهذا الاحساس بين وقت واخر، ولكني أعيش هذا الاحساس طيلة الوقت، بل أظن أحيانا أنني لست إلا إنتاجاً سينمائياً فنياً أتقنوا صُنعه.»
و قال النجم الهندي شاروخان ما يشبه هذا القول في احدي البرامج الهندية، و نأمل أن لا تنتهي حياته بمأساة هو الاخر.

و داليدا التي قالت "الحياة لا تحتمل .. سامحوني" ثم أخذت كمية كبيرة من الاقراص المهدئة علَّها تهدئ من صراخ العالم حوالها.
و غيرهم مِن مَن اضحكونا و امتعونا من عاشوا في معاناة و ماتوا بمأساة، لكنهم -وان كان كلامي هذا سيبدو اكليشيهياً- الا انهم حقا سيبقوا في ذاكرتنا و جزء من وعيّنا و سبب في ابتساماتنا.

الحياة حقا لا تحتمل، و يبدو ان المظاهر حقاً خداعة و ان راسمي البسمة احيانا يحتاجون لمن يضحكهم.
لكن المأساة الاكبر هي لحظاتهم الاخيرة، حين يقفوا امام الموت وجهاً لوجه، أتمني ان يكونوا شعروا وقتها بالانتصار و ان الاتي استحق ما فعلوه .. فأنا اتخيل وجه روبن ويليامز في آخر لحظة في حياته حين رآي الموت و علم ان الحياة ربما تكون عاهرة لكنها تستحق فرصة اخري !

" أقرأ الجريدة, ماذا تقول؟ كل الأخبار سيئة... سيئة جداًّ!
لقد نسي الناس ما هي قيمة الحياة, لقد نسوا ما معنى أن تكون حياً؛ أنهم في حاجة الى أن نذكرهم بكل ما لديهم و كل ما يمكن أن يخسروه... ما أشعر به حقاً هي فرحة الحياة, هبة الحياة, حرية الحياة... بل و روعتها! "
-روبن ويليامز، Awakenings 1990

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق