الخميس، 3 ديسمبر 2015

قصة قصيرة مفروض تبقى طويلة - يمكن في عالم تاني اكتملت.

عندما ينضب خيال الكاتب لابد أن يخلق إلهامه الخاص.
لطالما اعتقد أنه مُبدع من نوع خاص لا يمكن ان تتوقف الافكار عن المثول تحت قدميه، كان يتفاخر بأنه يواعد ربات الإلهام وأنهن يتنافسن لمنحه التعبيرات الأقوى والخيال الأخصب والأفكار الاجدد، لكن النكسة حدثت .. لا يدري متي حدثت، لا أحد يعلم على وجه الدقة متى توقفت الأفكار عن الطرق على بابه، هجرته المعانى وبصقت في وجهه التعبيرات والخيال حبسه في جحر فأر ووضع الحواجز كي لا يخرج، لكن عندما ينضب خيال الكاتب لابد أن يخلق إلهامه الخاص، وان لم ترضى عنه المعاني ويعفو عنه الخيال فليجبرهم على الخروج، فلا يوجد أشقى من كاتب محروم من الخيال تتكوم الكلمات بداخله ولا يستطيع التعبير عنها، لا يوجد أشقى من كاتب لا يقدر على الكتابة !

يمسك القلم ويفرد الأوراق امامه، اوراق بيضاء ناصعة كبياض عقله، أوراق فارغة كفراغ روحه، الاوراق لا علم لها عما سيُكتب بها، وهو كذلك.
ألا أن لعنة الله على كل السابقون، لقد قالوا بالفعل كل ما يمكن أن يقال .. أكان يجب أن يولد متاخرًا لهذه الدرجة !
الذنب ذنب والديه أو جدوده الاكبر، لو كان استبدل الدور مع جد من عصر مختلف لكان أعظم، لم يكن لينضب خياله لهذا الحد، كانت كل الأفكار ستكون متاحة له، ألا أن لعنة الله على كل المبدعون، أكان يجب ان تكون المنافسة حامية لهذه الدرجة مع كل ممن حوله؟ لماذا يجب ان تكونوا مبدعين لهذه الدرجة أيها الحقراء !

حسنًا، لنحل المشكلة لابد أن نجد أصلها، لا أمل في أن تكتب هذه الأوراق نفسها والقلم يستحي من أن يلطخ بياضها بحبره الأسود، لذا لابد أن نستشير العقل .. أغلق نور الغرفة وأغمض عينيه قليلًا ..

ناجى أرواح كتابه المفضلين، التمس منهم الحضور، لم يحصل على جواب .. اعتذر بكل الاعتذارات التي يعرفها والتي لا يعرفها لربات الالهام، وعدهن بان لا يتفاخر بعلاقته معهن مجددًا، وعدهن بورود ومجوهرات وكاسات وكلام معسول .. لكن بلا جدوى ..
لابد أن يذهب أعمق .. أعمق
عقله مشوش، صوت الوش يشبه ذاك الذي كان يأتي بعد غلق قنوات التليفزيون، الوش يزيد .. والصورة تتشوش أكثر .. فأكثر ..
يبدو أنه دخل مكان محرم، طفل ما يجلس على أريكة أمام التلفاز، الطفل يبكي .. لا أحد يعيره أي اهتمام، الطفل كبير في السادسة أو السابعة لكن صوت بكاءه يشبه بكاء الاطفال .. صوته مزعج وقبيح، لا يحاول فهم ما يحدث تلقائياً يبتعد، الصراخ اعلى من أن يسمح له بالتفكير وأكثر مما يحتمل، يتراجع بسرعة ويحاول الهرب ..
الصوت بدأ في الابتعاد، حسنًا لابد أن يفتح عينيه الآن، لا داعي لكل هذا الهراء على أي حال ..

ببطئ يفتح عينيه ليجد الطفل نفسه امامه، يجلس بعيدًا امام التلفاز ويبكي بصوته القبيح، هو الطفل نفسه لكنه صغير الان .. في شهور عمره الاولى لكنه يشعر انه يعيش منذ سنوات، ازعاجه لا يحتمله بشر ..
تقترب امرأة ما من الطفل وتحمل خلف ظهرها شيء لا يتبينه، يتمنى أن يكون شاكوش تدق به عنق هذا اللعين .. يتمنى لو يصمت لثانية ..
بعينين شبه مغمضتين يراقب المشهد .. المرأة تقترب من الطفل، والطفل على الأريكة يبكي، والتلفاز يصدر أصوات مبهمة ..
تجلس المرأة بجانب الطفل وترفعه لحضنها .. من خلف ظهرها تخرج قطعة قماش تضعها على عنقه .. حسنًا الخنق جيد ايضًا، برفق تقربه أكثر لها وتخرج له ثديها، يستفيق الكاتب ليتبين ما تفعله هذه اللعينة .. القتل لا الدلع يا فتاة !
تنظر له بلا اكتراث وتقول "متنح ليه، الواد كان مفلوق من العياط عشان جعان، معلش نام جوه."

لا أحد يعلم على وجه الدقة متى توقفت الأفكار عن الطرق على بابه، لا أحد يعلم لما خاصمته ربات الإلهام، لا أحد يعلم لما حبسه الخيال في جحر فأر، لا احد يعلم لما فقد القدرة على الابداع .. لكن هذه اللعينة وهذا الطفل القبيح لابد أن لهم يد في ما وصل له ..

تثائب بملل ونظر لهم بيأس وقام ..
عندما ينضب خيال الكاتب لابد أن يخلق إلهامه الخاص، أو يتخلص مما يشوشه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق